إلتفات الإنسان إلى فقره الذاتی ضمان له من الإغترار بالدنیا وعناوینها الزائفه
إلتفات الإنسان إلى فقره الذاتی ضمان له من الإغترار بالدنیا وعناوینها الزائفه
بسمه تعالى
الأربعاء ۲۵ ذو القعده الحرام ۱۴۴۴ (یوم دحو الأرض)
الموافق ۱۴ – ۶ -۲۰۲۳
أکّد سماحه المرجع الدینی الشیخ محمد الیعقوبی (دام ظله) على أن الإحساس بالفقر إلى الله تعالى کمالٌ للإنسان، لأنه یشکل له حافزاً للتحلی بالأخلاق الفاضله والإتیان بالأعمال الصالحه.
جاء ذلک خلال درس تفسیر القران الکریم الاسبوعی الذی یلقیه على جمع من طلبه الحوزه العلمیه بمکتبه فی النجف الاشرف، فی ضوء تفسیر الآیه المبارکه {یَا أَیُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ} (فاطر : ۱۵) .
وأشار سماحتُهُ إلى الوجوه التفسیریه المُتحَصله لتسمیه (الفقیر)، ومنها.. إنفصالهُ وإنقطاعهُ عن سبب کماله وحاجته کالمال وغیره، ومنها أن شده وطأه الفقر تکسر ظهر صاحبه وتقطع عموده الفقری فیکون مشلولاً وعاجزاً عن الحرکه، وهکذا الفقیر سواء کان على مستوى الفرد أو الأمه فإنها إذا کانت لا تمتلک مقومات القیام فإنها عاجزه مستعبده، ولذا أطلق القرآن الکریم على المصیبه العظیمه بأنها فاقره فی قوله تعالى {ووجوهٌ یومئذٍ باسره} (القیامه:۲۴) أی عابسه بائسه {تظنُ أن یفعل بها فاقره} (القیامه: ۲۵).
ولفت سماحتُهُ (دام ظله) إلى أن حصر الفقیر بنقص المال تضییق لمعناه الواسع، إذ یمکن أن یکون فقیراً فی العلم أو الأخلاق أو الجاه ونحو ذلک، مؤکدا على ضروره إلتفات الإنسان إلى فقره الذاتی وحاجته إلى الغنی المطلق وهو الله تبارک وتعالى فإن فی ذلک ضماناً له من الإغترار بالدنیا وعناوینها الزائفه.
وفی هذا السیاق أجاب سماحتُهُ عن تساؤل مقدّر حاصله:
بأن الآیه لا تخلو من ظهور فی حصر الفقر بالناس المخاطبین وکأن لسانها: أنتم أیها الناس دون سواکم الفقراء إلى الله، فکیف ینسجم هذا مع حقیقه أن کل المخلوقات فقراء إلى الله تعالى؟
فأجاب (دام ظله) بوجوه عده، منها :
الأولویه بأن یقال: إذا کان الإنسان خلیفه الله فی الأرض المجعول بأحسن تقویم شأنه الفقر والنقص والاحتیاج فمن باب أولى بقیه المخلوقات الأقل منه شأناً.
ومنها: التجرید عن الخصوصیه فإن ملاک الفقر والاحتیاج الذی جعل الناس فقراء إلى الله موجود فی غیرهم أیضاً.
ومنها: إن الناس إنما خُصّوا بهذا الخطاب لأنهم وحدهم المتمردون والمتوهمون بخلاف الحق، أما المخلوقات الأخرى فإنهم مطیعون مذعنون مسلمون.
ومنها: إن هذا الحصر إضافی، فإنما خوطب به الناس لأنهم یظنون أن الله تعالى حینما یدعوهم إلى توحیده ونبذ الشرکاء عنه ویجاهد الرسل من أجل هدایتهم إلى طاعته وعبادته فإنه محتاج إلیهم.
وفی نهایه درسه التفسیری، لفت سماحتُهُ إلى أننا نجد فی کلمات المعصومین (علیهم السلام) إستعاذه من الفقر کما فی الدعاء ( اللهم إنی أعوذ بک من … والفقر والفاقه وکل بلیه ) بینما نجد فی الحدیث النبوی الشریف( الفقر فخری)، وهنا لابد من التفریق بین هذین النحوین من الفقر، فالأول إستعاذه من الحاجه الموجبه إلى نقص الدین وتدنیس الکرامه الإنسانیه والإحتیاج إلى الناس؛ ولذا یکون فقراً مذموماً، والثانی هو الإنقطاع إلى الله تعالى وشده الإحتیاج إلیه سبحانه، وإنما یُفتخر به لأنه کان فی أکمل صور الانقطاع إلى الله تعالى و الحاجه إلیه جل شأنه.