المرجع الیعقوبی: یدعو الى ترسیخ صفه الحرص على مصالح الناس والسعی لجلب الخیر لهم والتعبئه باتجاهها والتشجیع علیها فی نفوس ابناء الامه
المرجع الیعقوبی: یدعو الى ترسیخ صفه الحرص على مصالح الناس والسعی لجلب الخیر لهم والتعبئه باتجاهها والتشجیع علیها فی نفوس ابناء الامه
بسمه تعالى
الأربعاء ۱۵ ربیع الأول ۱۴۴۴
الموافق ۱۲/۱۰/۲۰۲۲
دعا سماحه المرجع الدینی الشیخ محمد الیعقوبی (دام ظله) الى ترسیخ صفه الحرص – على مصالح الناس والسعی لجلب الخیر لهم وإسعادهم ودفع الضرر عنهم – فی نفوس أبناء الأمه والترکیز علیها وبیانها والتعبئه باتجاهها والتشجیع علیها لترسخ فی نفوسهم جیلا بعد جیل.
وأکّد سماحتُهُ (دام ظله) فی معرض تفسیره للآیه ۱۲۸ من سوره التوبه {لَقَدْ جَآءَکُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِکُمْ عَزِیزٌ عَلَیْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِیصٌ عَلَیْکُمْ بِالْمُؤْمِنِینَ رَءُوفٌ رَّحِیمٌ}، خلال محاضره القاها بمناسبه ذکرى المولد النبوی الشریف فی نهایه الأسبوع الدراسی على حشد من الأساتذه والفضلاء وطلبه العلم، بمکتبه فی النجف الأشرف، فکلما ازدادت دائره الحریصین على مصالح الأمه، ونفع العباد وهدایتهم الى ما یُصلِح أحوالهم فی الدنیا والآخره، فإن المجتمع یکون بخیر.
ولفت سماحتُهُ (دام ظله) الى أن فقدان هذه الصفه (صفه الحرص على مصالح الناس ورعایتهم) هو ما یفسّر الأحوال السیئه التی تعیشها الأمه الآن وفی کل آن، مع وجود هذه الوفره من الإمکانات المادیه والبشریه التی منّ الله تعالى بها علیها، ولأنها (الامه) ابتُلیت بتسلّط شرذمه متجرده من هذه الصفه النبویه المبارکه، التی کانت من الصفات السامیه الممیزه التی اتّصفت بها شخصیه نبینا العظیم(صلى الله علیه وآله وسلم)، فقد کان (صلوات الله وسلامه علیه واله) کما وصفته الآیه المبارکه (حَرِیصٌ عَلَیْکُمْ) أی أنه (صلى الله علیه وآله) کان حریصاً على الناس أجمع أکثر من حرص الأمّ على أولادها، ولم یقتصر حرصه (صلى الله علیه وآله وسلم) على المؤمنین برسالته (وَمَا أَرْسَلْنَاکَ إِلا رَحْمَهً لِلْعَالَمِینَ) (الأنبیاء:۱۰۷)، فتراه یجتهد فی هدایه الناس وإصلاح أحوالهم وإسعادهم، ویتفانى فی جلب خیر الدنیا والآخره لهم، ودفع الضرر عنهم، حتى أنه (صلى الله علیه وآله وسلم) أشرف على الهلاک من شدّه الجهد النفسی والبدنی، ولتأسّفه على عدم استطاعته الى هدایه کل الناس- بسبب عنادهم وغوایتهم- وهذه أعلى درجات الحرص علیهم والرحمه بهم، فأشفق الله تبارک وتعالى على رسوله الکریم (صلى الله علیه وآله وسلم) وخاطبه بقوله عزّ من قائل: (فَلَعَلَّکَ بَاخِعٌ نَّفْسَکَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ یُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِیثِ أَسَفًا) (الکهف:۶)، وقوله تعالى: (لَعَلَّکَ بَاخِعٌ نَّفْسَکَ أَلَّا یَکُونُوا مُؤْمِنِینَ) (الشعراء:۳)، والبخع: یعنی قتل النفس غمّاً، فحثّه الله تعالى على أن لا یُهلِک نفسه حزناً وأسفاً، ولیدع الناس وما اختاروا (لِّیَهْلِکَ مَنْ هَلَکَ عَن بَیِّنَهٍ وَیَحْیَىٰ مَنْ حَیَّ عَن بَیِّنَهٍ ) (الأنفال:۴۲).
وفی ذات السیاق أشار سماحتُهُ (دام ظله) الى أنّ خیر من یجسّد هذه الصفات المبارکه لرسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) وخصوصاً صفه الحرص على مصالح الناس وهدایتهم، هو إمامنا المهدی الموعود (صلوات الله علیه)، فإنه أولى الناس باتباع جده المصطفى (صلى الله علیه وآله وسلم) واقتفاء آثاره وسیرته المبارکه، وهذا ممّا یزید الموالین اطمئناناً وسکینهً بأنهم فی رعایه أحرص الناس علیهم وأکثرهم حنوّاً وعطفاً، ولو لم تکن فی انتظاره وترقّب ظهوره إلا هذه الفائده لکفى بها أملاً وهدفاً عظیماً، تنعقد الآمال علیه وترنو الأبصار الیه، فقد جاء فی رسالته الى الشیخ المفید (رحمه الله تعالى) قوله (علیه السلام): (إنّا غیر مهملین لمراعاتکم، ولا ناسین لذکرکم، ولولا ذلک لنزل بکم اللأواء، أو اصطلمکم الأعداء، فاتقوا الله جلّ جلاله، وظاهرونا على انتیاشکم من فتنه قد أنافت علیکم)([۱]).
وفی نهایه محاضرته حثّ سماحتُهُ الحوزه العلمیه الشریفه وسائر المؤمنین الرسالیّین على تربیه نفوسهم على هذه الصفه الحمیده، والترکیز علیها، فهم أولى الناس بالتأسّی برسول الله (صلى الله علیه وآله الکرام)، ولأنّ الناس حینما یجدون هذه الصفه فی الواعظ والمبلّغ والمربّی والمعلّم والمسؤول، فإنهم ینقادون له ویأخذون منه، لأنهم یجدونه صادقاً فی جلب الخیر لهم وتحقیق مصالحهم وهدایتهم الى سعاده الدنیا والآخره، لوجه الله تعالى من دون أن ینتظر منهم (جَزَاءً وَلَا شُکُورًا) (الإنسان:۹) فترسخ قناعه الناس به، وهنا تبرز أهمیه هذه الصفه فی نجاح الدعوه الى الله تعالى، وفی ذات الوقت فإن فقدان (صفه الحرص على مصالح الناس وهدایتهم ورعایتهم) ذلک سیکون سبباً منفّراً من صاحبها، وإذا کان ذا عنوان دینی فإنّ النفور سیکون من الدین نفسه لا سمح الله.