المرجع الیعقوبی: معالم التکامل فی التشریع الإسلامی للمواریث
المرجع الیعقوبی: معالم التکامل فی التشریع الإسلامی للمواریث
بسمه تعالى
الأربعاء/۱۵ شوال/۱۴۴۵
۲۴/۴/۲۰۲۴
أکد سماحه المرجع الدینی الشیخ محمد الیعقوبی (دام ظله) بأن القرآن الکریم نزل لیبنی الإنسان والمجتمع الصالحین، ویؤسس لحیاه کریمه مبنیّه على أساس العداله الاجتماعیه وذلک فی ظل الأنظمه والقوانین التی وضعها البشر القاصرون عن إدراک وتشریع ما یصلح الإنسان والحیاه ویوفر العیش الکریم والسعاده للبشریه.
وأوضح سماحتُهُ (دام ظله) خلال درس التفسیر الأسبوعی الذی یلقیه على أساتذه وفضلاء وطلبه الحوزه العلمیه بمکتبه فی النجف الأشرف وکان فی ضوء الآیه الکریمه من سوره النساء {لِلرِّجَالِ نَصِیبٌ مِمَّا تَرَکَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِیبٌ مِمَّا تَرَکَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ کَثُرَ نَصِیبًا مَفْرُوضًا} [النساء: ۷].
إن سوره النساء المبارکه تضمنّت آیاتٍ عدیده تکفلّت ببناء المجتمع الإسلامی الصالح حیث بینّت أحکام الورث بأدق التفاصیل، على غیر المتعارف فی أحکام الشریعه الأخرى کالصلاه والصوم والزکاه إذ اکتفت ببیان الخطوط العریضه والحدود العامه، أما الإرث فقد تکفّل الله تعالى ببیان الاستحقاقات بالتفصیل، مما یکشف عن اهتمام الشریعه العظمى بهذه الفریضه.
وبیّن سماحتُهُ (دام ظله) أن توریث المال ونحوه من ترکه المیت إلى القریبین إلیه بنسبٍ أو سبب، غریزه فطریه، لأن الإنسان یعتبرهم امتداداً لوجوده، وأنه باقٍ ببقائهم، حتى أن من لا عقب له ولا قرابه یشعر أحیاناً بجنبه التوسع فی ملکیته لأنه لا یجد من یستحق الجهد والعناء ویحفظ له ذکره، وقد عالج الإسلام هذه الثقافه بمبدأ الباقیات الصالحات.
ولفت سماحتُهُ (دام ظله) إن قضیه التوریث بین الأقرباء مما یقتضیه العدل والإنصاف لأنهم یتوارثون تکویناً الصفات الإیجابیه والسلبیه من خلال الجینات، فیلزم فیه توارثهم شرعاً وقانوناً سائر ما یترکه المیت على أساس القاعده العقلائیه (من کان له الغُنم فعلیه الغُرم)، کما إنها (قضیه التوریث) ضروره اجتماعیه لأنها تتعلق بتوزیع المال على مستحقیه وهو من أعظم موارد النزاع والتخاصم لمیل النفوس إلیه وحرصهم علیه، قال تعالى {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر: ۲۰] وقال تعالى {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} [النساء: ۱۲۸] وفی ضوء ما تقدّم لابّد من وضع قوانین تفصیلیه تعطی لکل ذی حقٍ حقّه، لذا نجد قضیه المیراث وتوزیع ترکه المیت حاضره فی ثقافه وتشریعات المجتمع البشری خصوصاً المتمدنه فیها منذ فجر التاریخ کالسومریین والآشوریین والبابلیین کما ینقل المؤرخون ((قانون (لأورنمو) وقانون (لبت-عشتار) و(آشنونا) وقانون (حمورابی)))، وغیرها من الحضارات کالمصریه والرومانیه والإغریقیه والفارسیه وهی وإن اختلفت فی التفاصیل ألا أنها تکادُ تجمع على أن مستحق المیراث هو (أولى الناس به) لکنهم اختلفوا فی مصادیقه وجعلوا ضوابط مختلفه بحسب ثقافتهم واهتمامهم بالأمور والتحدیات التی تواجههم، أما فی ثقافه العرب فقد کانت قبلیّه وکانوا یتوارثون على أساس النسب والولاء للعشیره والتبنّی ویخصّون به الذکر البالغ القادر على حمل السلاح دفاعاً عن العشیره ومصالحها.
وفی ظل هذه الأنظمه التی تختزن الکثیر من الاستئثار والظلم والحرمان والحیف، نزل القرآن الکریم لیبنی الإنسان والمجتمع الصالحین ویؤسس لحیاه کریمه مبنیّه على أساس العداله الاجتماعیه {أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَیِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْکِتَابَ وَالْمِیزَانَ لِیَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحدید: ۲۵]، إلا أن نزول القرآن ومرور بالبعثه النبویه المبارکه لم (یقلع) یمحو جذور القیم الجاهلیه فی نفوس الصحابه کما تشیر الروایات الشریفه.
وفی ذات السیاق أکدّ سماحتُهُ (دام ظله) أن الدین الإسلامی العظیم لم یترک الأمر إلى البشر ذوی العقول القاصره، الذین تتحکم فیهم الأهواء والمطامع والمصالح، لکونه (الدین الإسلامی) تشریع من الله تعالى خالق الإنسان وهو جل وعلا العالم بما یصلحه فی دنیاه وآخرته ولم یُهمِل هذه الغریزه الفطریه والضروره الاجتماعیه، فسنّ قانوناً إلهیاً متکاملاً لمصیر ما یترکه الإنسان، ولفت سماحتُهُ (دام ظله) إلى ملامح هذه التکامل بعده نقاط:
-
لم یبخس حق المیت واحترام ارادته فی أمور کان یجب أن ینفق ماله فیها فجعل الوصیه بما لا یزید عن ثلث الترکه وتخرج قبل توزیع المیراث.
-
مراعاه النزعه الفطریه والعداله الاجتماعیه فلاحظ فی الاستحقاقات درجه القرابه والمسؤولیات المنوطه بکل وارث والمصالح العامه فی توزیع الثروه ومنع الاستئثار والاستبداد على نحو قوله تعالى: {کَیْ لَا یَکُونَ دُولَهً بَیْنَ الْأَغْنِیَاءِ مِنْکُمْ} [الحشر: ۷] والغرض هو تحقیق العداله ولیس المساواه التی یلزم منها الظلم وفق العناصر الآنفه.
-
تثبیت سهام الإرث بدقه حتى لا یحصل خلاف وتنازع.
-
حفظ حقوق الضعفاء کالنساء والأطفال.