قبس من سوره الاسراء الآیه ۱۰۰ {وَکَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا}
بسمه تعالى
قبس من سوره الاسراء الآیه ۱۰۰ {وَکَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا}
القى سماحه المرجع الدینی الشیخ محمد الیعقوبی (دام ظله) درس التفسیر الأسبوعی على جمع من طلبه الحوزه العلمیه الشریفه بمکتبه فی النجف الاشرف مقتبساً من نور الایه الکریمه فی سوره الاسراء {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِکُونَ خَزَائِنَ رَحْمَهِ رَبِّی إِذًا لَأَمْسَکْتُمْ خَشْیَهَ الْإِنْفَاقِ وَکَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا} (الإسراء: ۱۰۰).
وأوضح سماحتُهُ (دام ظله) ان الانسان جُبل على حب المال بحسب طبیعته الإنسانیه {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} (الفجر: ۲۰) ولیس فی ذلک نقص ذاتی فلو کان حب کسب المال من أجل التقرب إلى الله تعالى بإنفاقه فی موارد البر والإحسان کالحج والعمره وزیاره المعصومین (علیهم السلام) ومساعده المحتاجین ونصره الدین ونشر المعارف الدینیه وتزویج الشباب المتعففین وإنشاء المشاریع ذات النفع العام کالمستشفیات والمدارس ومحطات المیاه والکهرباء وشق الطرق وغیرها، فإنه سیکون أمراً محموداً بلا إشکال وسیکون من طلب الآخره ولیس الدنیا.
ولفت سماحته الى المعنى المذموم عند الله تعالى فی مسأله حب (المال) حیث تبرز المشکله فیما لو کان هذا الحب یدفعه إلى تحصیله بأی نحو کان ولو من طرق غیر مشروعه، أو أن هذا الحب یکبّله عن دفع ما یتعلق بذمته من مال حیث جعل الله تعالى فیه حقوقاً لغیره {وَفِی أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (الذاریات: ۱۹) وهذه الحاله هی التی ذمّها الله تبارک وتعالى وتتحول بالانسیاق المستمر لها إلى صفه متأصله فی النفس الإنسانیه وتتغلب على نداء العقل والفطره والدین وتمیتها، وهذه الصفه أصبحت غالبه لدى البشر حتى عدَّها الله تعالى من الصفات اللازمه للإنسان {وَکَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورً} (الإسراء: ۱۰۰) والإقتار هو التضییق فی الإنفاق والبخل بالمال والإمساک عن بذله فی موارد رجحانه، وصیغه (فعول) من صیغ المبالغه التی تدل على شده الاتصاف، وقال تعالى فی آیه أخرى {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} (النساء: ۱۲۸) والشُّح هو ((بخل مع حرص وذلک فیما کان عاده)) فهذه الصفه حاضره لدى الإنسان ومشاهده فیه بوضوح إلا مَن عصم الله تعالى.
کما بیَّن سماحتُهُ ان هذا الحرص على المال والخوف من الإنفاق وان کان الانسان یبرره بخوف الفقر والاحتیاج فی المستقبل فیدّخره للطوارئ حتى قیل فی المثل (الفلس الأحمر ینفعک فی الیوم الأسود) إلا أنه یخدع نفسه وتفضحه الآیه الکریمه بأنه حتى لو ملک خزائن رحمه الله على سعتها وعدم نفادها (ولا تزیده کثره العطاء إلا جوداً وکرماً)، فإنه سیمتنع عن الإنفاق، لأن البخل والشح والحرص على المال صفه راسخه فی نفس الإنسان، وخزائن رحمه الله هی الجهات التی جعلها الله تعالى سبباً لاستدرار رحمته کما فی الدعاء (اللهم إنی أسألک موجبات رحمتک) وهی عامه تشمل العطاء المعنوی والمادی.
وعرض سماحته جمله من الأسالیب التی استقرئها من الآیه الکریمه والاحادیث الشریفه للمعالجات التی منَّ الله تعالى بها على عباده لإصلاح القسم المذموم فی هذه الصفه (الشُح) والامساک وتوجیهها بالاتجاه الصحیح وهی :
وقد أخبرت الأحادیث الشریفه ببعض هذه النتائج المبارکه کقول النبی (صلى الله علیه وآله): (أرض القیامه نار ما خلا ظلَّ المؤمن، فإن صدقته تُظِّله)([۱])، وقال النبی (صلى الله علیه وآله وسلم): (الصدقه تسدُّ سبعین باباً من الشرّ).
۳- الوعد بأن الله تعالى یخلف على الإنسان ما ینفقه فی سبیل الله، قال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَیْءٍ فَهُوَ یُخْلِفُهُ وَهُوَ خَیْرُ الرَّازِقِینَ} (سبأ: ۳۹)، مضافاً إلى أنّ له أجر ما أنفق([۲]) قال تعالى {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَیْرٍ فَلِأَنْفُسِکُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَیْرٍ یُوَفَّ إِلَیْکُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} (البقره: ۲۷۲)
۴- بیان حقیقه أن هذا المال لیس مملوکاً حقیقه للإنسان وإنما هو ودیعه لدیه وأمانه استُخلف علیها وعمّا قریب تستردّ الودیعه ویخرج من الدنیا صفر الیدین { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى کَمَا خَلَقْنَاکُمْ أَوَّلَ مَرَّهٍ وَتَرَکْتُم مَّا خَوَّلْنَاکُمْ وَرَاء ظُهُورِکُمْ} (الأنعام: ۹۴) ولا یبقى له إلا ما أنفق فی سبیل الله وحینئذ لا یتردد عاقل فی نقل أکبر مقدار ممکن مما خوّله الله تعالى إلى حسابه الثابت فی الآخره وعدم ترکه وراءه بلا استثمار فی ما ینفعه فی حیاته الباقیه، قال الله تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَکُمْ مُسْتَخْلَفِینَ فِیهِ فَالَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ کَبِیرٌ} (الحدید: ۷).
۵- معالجه الإشکالات التی یوسوس بها الشیطان لمنع الإنسان من الإنفاق وعلى رأسها خوف الفقر ولا یلتفت إلى أن الآمر بالإنفاق هو الرزّاق الکریم وبیده خزائن السماوات والأرض، قال تعالى معاتباً ومستنکراً: {وَمَا لَکُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِیرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (الحدید: ۱۰) فهو الذی أعطاکم وهو الذی رزقکم فلماذا الخوف من الإنفاق؟، قال تعالى: {الشَّیْطَانُ یَعِدُکُمُ الْفَقْرَ وَیَأْمُرُکُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ یَعِدُکُمْ مَغْفِرَهً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِیمٌ} (البقره: ۲۶۸) ویخوفکم من الفقر إذا أنفقتم قال تعالى: {إِنَّمَا ذَلِکُمُ الشَّیْطَانُ یُخَوِّفُ أَوْلِیَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ} (آل عمران: ۱۷۵) والتخویف هنا مطلق شامل لکل أسبابه وموارده فقال تعالى فی الجواب: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَیْلَهً فَسَوْفَ یُغْنِیکُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ حَکِیمٌ} (التوبه: ۲۸).
۶- إلفات النظر إلى أنهم إن لم ینفقوا المال فی طاعه الله تعالى وما یوجب رضاه فإنهم سیبتلون بإنفاق ما هو أکثر منه فی معصیه الله تعالى ویجمعون علیهم خساره الدنیا والآخره، قال تعالى: {فَسَیُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَکُونُ عَلَیْهِمْ حَسْرَهً ثُمَّ یُغْلَبُونَ وَالَّذِینَ کَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ یُحْشَرُونَ} (الأنفال: ۳۶).
وفی نهایه درسه التفسیری أکد سماحته ان المعنى المقصود (بالشُح) لا یقتصر على إمساک الانفاق بالمال، وإنما هو شامل لکل موارد الانفاق التی فصلناها فی قبس سابق[۳] .. )، وان أسوأ درجات البخل الامتناع عن الشهاده لله تعالى بالوحدانیه ولمحمد (صلى الله علیه وآله) بالرساله روی عن رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) قوله: (أبخل الناس من بخل بما افترض الله علیه)([۴])،کما یروى عن أحد طواغیت قریش أنه أجاب النبی (صلى الله علیه وآله) حین طلب منه أن ینطق بالشهادتین فقال: (إن حمل الجبال الرواسی على ظهری أهون علیّ من النطق بهما)([۵]) وهکذا من البخل کتمان کل شهاده حق وعلى رأسها الشهاده لأمیر المؤمنین (علیه السلام) بالولایه، قال تعالى: {وَمَنْ یَکْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} (البقره: ۲۸۳) ومنها البخل على أهل بیت النبی (صلى الله علیه وآله) بالمودّه، قال تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّهَ فِی الْقُرْبَى} (الشورى: ۲۳)، وتصل ذروه البخل بالامتناع عن أداء حق النبی (صلى الله علیه وآله) وشکره على جهده وجهاده بالصلاه علیه وعلى آله عند ذکره ففی الحدیث النبوی الشریف: (إن أبخل الناس من ذُکِرتُ عنده ولم یصلِّ علیَّ)([۶]).
[۱] – الکافی: ۴/۳، ح۶.
[۲] – یوجد فی إحدى الدول الأوروبیه بنک للوقت تسجِّل فیه حساباً للوقت الذی تنفقه فی خدمه الآخرین على نحو المداراه الصحیه أو الأعمال المنزلیه وغیر ذلک وهذا الرصید یُستفاد منه عند الاحتیاج إلى المساعده فی الشیخوخه أو المرض أو أی سبب آخر فیأتی من یخدمک مده تستقطع من الرصید فهذا تطبیق لما افادته الآیه الکریمه من أن الله تعالى یخلف على المنفق.