(خاطره فی نهایه عام دراسی وافتتاح آخر فی الحوزه العلمیه الشریفه)
أما فی الحوزه الشریفه فمرور عام یعنی أننا ازددنا علماً وتعمّقنا فهماً وتکاملنا أخلاقاً وقطعنا أشواطاً فی إصلاح النفس والمجتمع فتکفی نظره واحده إلى الکتب التی درسناها وتحمّلناها واستوعبناها خلال عام لنعرف کم ازددنا علماً فی عدد من حقول العلم والمعرفه بل أشرف العلوم کلها فقه آل محمد(صلى الله علیه وآله وسلم) والعلوم المتصله به.
وتکفی وقفهُ تأمّل لنعرف کیف تغیّرت رؤیتنا للحیاه وللکون وللمبدأ والمعاد ، کنّا لا نفقه من الحیاه شیئاً لاهین عابثین لا تتجاوز مشاعرنا أنفسنا ولا نفکر بأزید من تلبیه حاجاتنا وصرنا نحمل هموم الدنیا کلها فما من أحد ٍ یتألم فی شرق الأرض وغربها إلا تألمنا معه، وما من مشروع خیر للإنسانیه یفکر فیه أحد فی شرق الأرض وغربها إلا وددنا أن نشارکه فه، تعمّقت نظرتنا وتوسعت وکبرت لأن أهدافنا کبرت واتسعت وصارت ترنو إلى العظیم اللامتناهی ، وکلما کبر الهدف ازدادت الهمّه وتفجّرت الطاقات.
على قدر أهل العزم تأتی العزائم وتأتی على قدر الکرام المکارم
وأما أخلاقیاً فوجداننا یحسُ بالتکامل أیّما إحساس: لم تکن تخرج دمعهٌ منّا فی صلاه اللیل بل ربما لم نکن نصلیها وصرنا مواظبین علیها وربما اغرورقت أعیننا بالدموع خشیه من الله واستغفاراً لذنوبنا وشکراً على عظیم النعم، وطلباً للمزید من الألطاف الإلهیه، لم نکن نتدبّر فی القرآن ولا نفهم معانیه بل ربما لم نکن نقرأ القرآن إلا لماماً وصرنا حلفاء القرآن لا نستطیع مفارقته وتسری معانیه فی دمائنا هذبنا به ألسنتنا وأسماعنا وأعیننا وطهّرنا به نفوسنا وقلوبنا، کنا لا نفهم عندما نقف على أعتاب الحضره الشریفه للإمام الحسین (علیه السلام) معنى الإذن بالدخول بأن یخشع القلب وتدمع العین وصرنا نفهمه، کل ذلک وغیره تحقق لنا ببرکه الوجود فی الحوزه الشریفه وما خفی أعظم مما أعدّ الله من الکرامه ووعد السالکین فی هذا الطریق من العطاء الذی لا حدود له ( إن الملائکه لتبسط أجنحتها لطالب العلم وما من مخلوقٍ من خلق الله فی السموات والأرض إلا ویستغفر لطالب العلم وإن حلق العلم روض من ریاض الجنه وإن مداد العلماء خیر من دماء الشهداء وإن من ترک ورقه من علم کانت له حجاباً تقیه نار جهنم وما من عالمٍ أخذ بید أحدٍ من أیتام آل محمد(صلى الله علیه وآله وسلم) الذین انقطعوا عن أبیهم المعنوی الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشریف) (إلا أدخله الله الجنه)[۲] وغیرها کثیر فأین الناس عن هذه الخیرات والبرکات ولماذا لا یتعرضون لهذه النفحات الإلهیه وما الذی یقعدهم عنها؟
عن أی نعمه أتحدث وأی لطف جمیل أذکر، صرت ببرکه الحوزه الشریفه مصدراً واسعاً للعطاء أقضی وقتی بین سؤال أجیبه أو مشکله أحلها أو حاجه للآخرین أقضیها أو علم أنتفع به أو أنفع به غیری فتکون لی حسنات بعدد کل من استفاد منی مباشره أو بشکل غیر مباشر (من سنّ سنه حسنه فله أجرها وأجر من عمل بها إلى یوم القیامه ) کما أفادت الروایه بأن الرجل یجیء یوم القیامه وفی میزانه أعمال کثیره کالجبال لا یعرفها فیقال له: هذا علمک الذی علمته الناس یعمل به بعدک.
بعد کل هذا کیف لا أفرح بفضل الله وبرحمته (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِکَ فَلْیَفْرَحُواْ هُوَ خَیْرٌ مِّمَّا یَجْمَعُونَ) وکیف لا تتصاغر أمامی الدنیا بکل مغریاتها وتتضاءل ولا أجد لها أهمیه فی قلبی بعد هذا الذی حبانی الله تعالى به، وکیف لا أتمنى هذا الخیرـ وهو الانتماء إلى الحوزه الشریفه ـ لکل الناس بعد أن ذقت حلاوته وبعد أن امتلأ قلبی حبا للناس فصرت أتألم لأی إنسان من ذکر أو أنثى لم ینهل من هذا النمیر الصافی.
هکذا ینبغی أن نکون ونحن فی رحاب الحوزه الشریفه فهل نحن کذلک؟!
أرجوا أن نکون کذلک فی العام الذی مضى والعام الذی نفتتحه الیوم وإن لم نکن أهلاً فرحمه الله وعطاؤه أهلٌ أن تشملنا لأن کل عطائه تفضّل وابتداء من غیر استحقاق وما علینا إلا أن نوفّر فی أنفسنا المحل القابل للعطاء بالجد والاجتهاد والإخلاص فإن الله لا بخل فی ساحته ولا یمنع عطاءه عن أحد إلا أن تحجبهم الذنوب دون الله تبارک وتعالى ـ کما فی الدعاء ـ فالقصور فی المحل لا فی المفیض حاشاه جلّت آلاءه والحمد لله رب العالمین.