خطبتا صلاه عید الفطر المبارک ۱۴۴۴
بسمه تعالى
غره شوال ۱۴۴۴
الموافق ۲۲-۴-۲۰۲۳
أقام سماحه المرجع الدینی الشیخ محمد الیعقوبی (دام ظله) صلاه عید الفطر المبارک بمکتبه فی النجف الاشرف، والقى سماحتُهُ خطبتی صلاه العید على جموع المؤمنین الذین وفدوا لزیاره الامام أمیر المؤمنین (علیه السلام)، وکانت الخطبتان من قبسات الآیه الکریمه ۱۹۵ من سوره البقره {وَأَنْفِقُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَیْدِیکُمْ إلى التَّهْلُکَهِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُحْسِنِینَ}.
وبیّن سماحتُهُ خلال الخطبتین ان الله سبحانه وتعالى أمر بالإنفاق فی سبیل الله.. وان السبل الموصله والمقربه الیه جل وعلا کثیره، ولا یختص الامر الإلهی بمورد سیاق الآیه الکریمه.. فالآیات الکریمه الآمره بالإنفاق کثیره ومتنوعه بعضها جاءت مقترنه بالترغیب فی الانفاق وما فیه من خیر الدنیا والاخره وبعضها بیّنت سوء عاقبه المتخلفین عن الانفاق.. أو انها جاءت فی سیاق الدخول فی أعماق النفس الإنسانیه واقناعها بالإنفاق وبعده أسالیب، کالوعد بأن الله تعالى یخلف على الانسان ما ینفقه فی سبیل الله وله أجر ما أنفق {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَیْءٍ فَهُوَ یُخْلِفُهُ وَهُوَ خَیْرُ الرَّازِقِینَ} (سبأ: ۳۹).
وأوضح سماحته ان للإنفاق موارد کثیره لا تقتصر على المال فمن موارده الأخرى:
۱. العلم النافع فی سائر حقول المعرفه والفنون والتجارب قال أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب (علیه السلام): (تعلموا العلم فإن تعلمه حسنه، ومدارسته تسبیح، والبحث عنه جهاد، وتعلیمه لمن لا یعلمه صدقه) ([۱])، وقال (صلى الله علیه وآله): (تصدقوا على أخیکم بعلم یرشده ورأی یسدده)
۲- الأخلاق الحسنه ومعاشره الناس بالمعروف، قال تعالى: {یَسْأَلُونَکَ ماذا یُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} (البقره: ۲۱۹) بناءً على أن معنى العفو هنا هو الصفح، و فی الحدیث النبوی الشریف (یا أبا ذر الکلمه الطیبه صدقه)([۲]) .
۳- الجاه والمکانه الاجتماعیه: فیستطیع الإنسان الوجیه أن یسعى بوجاهته لدى الناس لقضاء الحوائج وتیسیر الأمور وإصلاح المتخاصمین فقد ورد عن أمیر المؤمنین (علیه السلام): (أفضل الشفاعات أن تشفع بین اثنین فی نکاح حتى یجمع الله بینهما) ([۳])، وفی حدیث آخر عن رسول الله (صلى الله علیه وآله): (إصلاح ذات البین أفضل من عامه الصلاه والصوم) ([۴]).
۴- بذل النفس فی سبیل الله وهی أکمل درجات الإنفاق، قال رسول الله (صلى الله علیه وآله): (فوق کل ذی برّ برُّ حتى یقتل فی سبیل الله فإذا قتل فی سبیل الله فلیس فوقه بر) ([۵])ونظم الشاعر هذا المعنى بقوله:
یجود بالنفس إن ضنَّ الجواد بها والجود بالنفس أقصى غایه الجود
وغیر ذلک من موارد الانفاق کالوقت والراحه والجهد وای شیء یمکن ان یتحول الى عمل مثمر.
وفی الخطبه الثانیه تطرق سماحتُهُ (دام ظله) الى بیان معنى التهلکه الوارد فی الآیه الکریمه ومغبه عدم الانفاق الذی سیؤدی الى الهلاک وان (الملقى) هو مطلق شامل لأنفسکم کأفراد وللمجتمع ککل، ویشمل قوتکم وکیانکم وتقدّمکم وحضارتکم وأخلاقکم وعلاقاتکم ونظامکم وحتى دینکم، إن لم تنفقوا فی ما یتطلبه حفظ کل ذلک من مال وجهد وفکر ووقت وطاقه وإمکانیه قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّهٍ} (الأنفال: ۶۰)، لذا فإن الشعوب الکسوله الخامله التی ترکت ما یجب علیها من الإنفاق المناسب تستعبد وتتخلف وتصادر خیراتها وتمتهن کرامتها وتخسر أضعاف ما بخلت به، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا یُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِیَصُدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ فَسَیُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَکُونُ عَلَیْهِمْ حَسْرَهً ثُمَّ یُغْلَبُونَ وَالَّذِینَ کَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ یُحْشَرُونَ} (الأنفال: ۳۶)( [۶]).
وأشار سماحتُهُ الى أن (التهلکه) المقصوده فی الآیه الکریمه یمکن تصورها من عده جهات:
۱- دینیه وأخلاقیه فإن البخل یمیت روح الإنسانیه لدى الغنی ویمسخ فطرته، بالمقابل فإن الفقیر الذی لا یجد من یوفّر له ولعیاله القوت یتخلى عن إیمانه ویسلک الطرق المنحرفه والمحرمّه، وکم من امرأه تخلت عن عفتها وحیائها لکسبها مدعیّه أن الحاجه ألجأتها إلى ذلک، وقد اشتهرت کلمه أمیر المؤمنین (علیه السلام): (کاد الفقر أن یکون کفراً) ([۷])وإن کثیراً من الجیاع لما تتحدث لهم عن ضروره الالتزام بالدین فإنه یطالبک بإشباع بطنه أولاً، قال رسول (صلى الله علیه وآله): (بارک لنا فی الخبز ولا تفرق بیننا وبینه فلولا الخبز ما صلینا ولا صمنا ولا أدّینا فرائض ربنا) ([۸])وقد اشتهرت الکلمه (لولا الخبز لما عُبِدَ الله تعالى).
۲- اقتصادیه: فإن وجود طبقه فقیره لا تمتلک المال لشراء احتیاجاتها یؤدی إلى کساد السوق فإذا أنفق الموسرون علیهم فإن هؤلاء سیحرّکون السوق والمصانع والتجاره ویعود بالنفع على أصحاب المعامل والتجار أنفسهم.
۳- سیاسیه: فإن من أهم وسائل إخضاع الأفراد والشعوب والدول هو تجویعهم وفرض الحصار علیهم فتضطر الدول المحاصره إلى التنازل عن سیادتها واستقلالها وکرامتها وترضى بالتبعیه والذل والخضوع من أجل الحصول على المساعدات الموعوده وتجارب دول العالم الثالث کما یسمونها کثیره وشعارهم فی ذلک المثل القائل (جوِّع کلبک یتبعک).
۴- أیدیولوجیه: فقد استعمل الإنفاق المالی لتبدیل أفکار الناس وقناعاتهم کالذی یفعله المبشرون المسیحیون أو ما یبذله المرشحون فی الانتخابات لکسب أصوات الناس مع علمهم بفساد المرشح وعدم أهلیته، ولو وجد هؤلاء الناس ما یکیفهم لما اضطروا إلى تبدیل عقائدهم والعمل على خلاف قناعاتهم.
۵- أمنیه واجتماعیه: فإن المحرومین من حقوق الحیاه الأساسیه یصبحون قنابل موقوته فی المجتمع جاهزه للانفجار فی أی لحظه حینما یفقدون الصبر على حالتهم التعیسه وإن التمایز الطبقی ووجود طبقه ثریه مترفه مقابل طبقه محرومه ومن أکثر أدوات الحرب الناعمه الیوم فاعلیه من خلال هذه الطبقه وتوزیع الأموال علیهم لتأجیج الشارع بهم واتخاذهم وقوداً فی الفتن والحروب الأهلیه وإحداث الخراب والدمار، وأمثلتها من الواقع العراقی لیست بعیده.
وبهذا عُرِف وجه الاتیان بهذا التحذیر عقب الامر بالإنفاق للملازمه بینهما واتضح انسجام وقوع الآیه ضمن سیاق الامر بالقتال لحفظ الدین ومنع وقوع الناس فی الفتنه والفساد والانحراف.. فأن امتناع الامه عن بذل المال والجهد والنفس یؤدی الى اضمحلالها وتسلط الأعداء علیها وسیطرتهم على مقدراتها.. ففی هذا الانفاق إنقاذ للامه من التهلکه ولیس العکس.. ثم بیّن سماحتُهُ ان حرکه الامام الحسین (علیه السلام) کانت من أجلى مصادیق الانفاق فی سبیل الله لإنه حفظ الامه من التهلکه والضیاع بتضحیاته الجسیمه.
وفی ختام خطبته أوضح سماحتُهُ المعنى الذی ورد فی ذیل الآیه الشریفه وهو الاحسان {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُحْسِنِینَ} (البقره: ۱۹۵) فالمطلوب منّا تحسین العمل والإتیان به بأحسن وجه، ولیس العمل مجرداً لأن التفاوت فی الدرجات یکون بحسب حسن العمل قال تعالى: {لِیَبْلُوَکُمْ أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (هود: ۷) ویتحقق حسن عمل المعروف عموماً ومنه الإنفاق بإخلاص النیه وإجادته وإتقانه، وعدم إتباعه بالمنّ والعجُب والریاء، وإخفائه إذا کان إعلانه سبباً لهذه القبائح، وتعجیله قال تعالى: { فَاسْتَبِقُوا الْخَیْرَاتِ} (البقره: ۱۴۸) وقال تعالى: {وَسَارِعُوا إلى مَغْفِرَهٍ مِنْ رَبِّکُمْ وَجَنَّهٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِینَ} (آل عمران: ۱۳۳) وقال أمیر المؤمنین (علیه السلام): (تعجیل البر من البر)[۹]، وقال (علیه السلام): (خیر الأمور أعجلها عائده وأحمدها عاقبه) [۱۰] ، وقال (علیه السلام): (رأس السخاء تعجیل العطاء) [۱۱] ووضع البِّر فی موضعه، وعدم الاکتفاء بالواجب ما دام المستحب متیسّراً، واختیار المورد الأمثل والتوازن فی الإنفاق بین الإفراط وهو الإسراف والتفریط وهو الإقتار کما نصّت علیه آیه الفرقان المتقدمه.
وهذا معنى جارٍ حتى فی إنفاق النفس فإن التهور والاندفاع من دون حسابات صحیحه وخطط محکمه یجعله من موارد التهلکه ویحرم المسلمین من أحد عناصر القوه فیه، کما أن التفریط یتحقق بالجُبنِ والانهزام والتخاذل عن أداء العمل المکلف به مما یضعف جبهه الحق، فالفعلان محرمان.
[۱] – بحار الأنوار: ج ١ /ص ١۶۶.
[۲] – بحار الأنوار: ج ٨٠ /ص٣۶٩.
[۳] – وسائل الشیعه: ج ٢٠/ الصفحه ۴۵.
[۴] – أمالی الطوسی: ج ۲ /ص ۱۳۵.
[۵] – الکافی: ج۲/ص۳۴۸/ح۴.
[۶] _ راجع تفسیر هذا القبس فی الجزء الثانی من تفسیر (من نور القرآن).
[۷] – بحار الأنوار: ٧٠ / ص ٢۴۶.
[۸] – الکافی: ج ۵ /ص ٧٣.
[۹] – غرر الحکم: ح ۵۰۳۳.
[۱۰] – غرر الحکم: ح ۵۲۵۰.
[۱۱] – غرر الحکم: ح ۶۷۴۱.