خطبتا صلاه عید الأضحى المبارک ۱۴۴۵
خطبتا صلاه عید الأضحى المبارک ۱۴۴۵
بسمه تعالى
الاثنین۱۷-۶-۲۰۲۴ م
۱۰ /ذو الحجه / ۱۴۴۵
أقامَ سماحهُ المرجع الدینی الشیخ محمد الیعقوبی (دام ظله) صلاهَ عید الأضحى المبارک بمکتبهِ فی النجف الاشرف، وألقى سماحتُهُ خطبتی صلاه العید على جموع المؤمنین الذین وفدوا لزیاره أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) ، وقد کانت الخطبه الأولى من قبسات الآیتین المبارکتین۲۲-۲۳ من سوره الشورى{ تَرَى الظَّالِمِینَ مُشْفِقِینَ مِمَّا کَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِی رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا یَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِکَ هُوَ الْفَضْلُ الْکَبِیرُ*ذَلِکَ الَّذِی یُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّهَ فِی الْقُرْبَى وَمَنْ یَقْتَرِفْ حَسَنَهً نَزِدْ لَهُ فِیهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَکُورٌ } [ الشورى ۲۳-۲۲].
وقد استهلّ سماحتُهُ الخطبه الأولى ببیان دلالات الآیتین المبارکتین، مشیراً إلى المقارنه بین المؤمنین وما ینتظرهم من نعیم عظیم وحیاه طیبه هانئه سعیده فی أجمل مواقع الجنه جزاءً لعملهم الصالح وطاعتهم لله تبارک وتعالى وبین الظالمین وما ینتظرهم من المصیر السیء والعذاب الواقع بهم من أعمالهم السیئه التی ارتکبوها واضاعوا عمرهم فیها.
وأوضح سماحتُهُ إن المقارنه بین المؤمنین والظالمین وبیان مصیر کل منهما، یصلح أن یکون دافعاً للإلتزام بالحق وسلوک طریق الصلاح، لافتاً إلى کونه اسلوباً تربویاً مؤثراً من باب (ازجر المسیء بثواب المحسن).
وأشار سماحتُهُ إلى أن ألله سبحانه وتعالى قد أنعم على المؤمنین فی الجنه بحصولهم على ما یرغبون ویشتهون من دون الحاجه إلى القیام بمقدمات أو أسباب الوصول لذلک، وما یزیدهم هناءً أنهم{ عند ربهم } { ولهم ما یشتهون }[ النحل: ۵۷] ولیس کما فی الدنیا حیث کانوا یمتنعون عن بعض ما یشتهون لأنه محرم علیهم أو یعجزون عنه، موضحاً أن ختام هذه الآیه المبارکه جاء لیبین أن هذا النعیم لا یُنال إلا بفضل کبیر من الله تعالى فهو الهادی إلى الإیمان والعمل الصالح، ولاشک إن هذا النعیم لا یُقاس به نعیم الزائل المنغص بعوارضها واسقامها.
وبیّنَ سماحتُهُ أن الهدایه العظیمه التی افاضها الله تعالى على عبادهِ بواسطه رسول الله (صلى الله علیه وعلى آله) وهذا الأداء للرساله الإلهیه لم یطلب (صلى الله علیه وعلى آله) علیه اجراً ؛ لأن عمله خالص لله تبارک وتعالى، وکل ما یریده هو نفعهم وفوزهم وفلاحم وسعادتهم رحمهً بهم ، مشیراً إلى أن هذا مبدأ عبَّر عنه جمیع الأنبیاء (صلوات الله علیهم أجمعین ) بوضوح وحکاه الله تعالى فی سوره الشعراء عن نوح وجهود وصالح ولوط وشعیب فقالوا بلسان واحد{ وما أسألکم علیه من أجرٍ إن أجری إلا على ربّ العالمین }[ الشورى ۱۰۹، ۱۲۷ ، ۱۴۵ ، ۱۶۴ ، ۱۸۰] ؛ لأنهم عباد مخلصون لله تعالى ، وهکذا کان المعصومون من أهل بیت النبی (صلى ألله علیه واله).
و تطرق سماحتُهُ إلى قوله تعالى{ إلا الموده فی القربى } ، وأن الموده هی المحبه والمیل إلى الشیء، ومن الأسماء الحسنى { الودود} [ البروج ۱۴] ، لافتاً إلى الفرق بین الحب والودّ، کما أشار سماحتُهُ إلى أن المراد بالقربى: مجموعه خاصه من القربى؛ لقوله تعالى{ فی القربى }الداله على الظرفیه بمعنى أن الموده فیهم ولیس لهم جمیعا؛ إذ لم یقل: للقربى حتى یمکن إفادتها العموم ، موضحاً أن إختیار لفظ الموده من الآیه أن الفطره النقیه والطبع السلیم یقتضی محبه أهل البیت( علیهم السلام ) والمیل إلیهم لإجتماع صفات الجمال و الکمال فیهم.
وفی ذات السیاق ذکر سماحتُهُ إن النبی الأکرم صلى ألله علیه واله إختصّ من بین الأنبیاء بهذا الإستثناء المتصل أو المنقطع ، وهو طلب إشتراطه على الأمه الموده فی القربى، وهولاء القربى مخصوصون إختارهم الله تعالى لحمل الرساله ومواصلتها واستمرار هدایه الناس إلى الله تبارک وتعالى فهذا الطلب لیس عاطفیاً ، بل هو تخطیط إلهی لإستمرار القیاده الربانیه بأقرب الناس إلى رسول الله (صلى الله علیه وعلى آله ) سمواً ومکانهً وعملاً ومنهجاً ؛ لحفظ الرساله و دیمومتها وإتقان أدائها ، و قد استفاضت الروایات بل تواترت من طرق الفریقین وهی تدل على أن المراد بالقربى فی الآیه الکریمه هم أهل البیت (علیهم السلام) ، ولوضوح هذا المعنى وحقانیته فقد نظمه الشافعی فی أبیات من الشعر، کما نجده قبل ذلک فی شعر الکمیت الأسدی، ثم أشار سماحتُهُ إلى جمله من الروایات والشواهد التاریخیه التی تثبت حقانیه أهل البیت علیهم السلام وفی مقابل ذلک لفت سماحتُهُ إلى محاولات أعداء أهل البیت علیهم السلام من الأمویین و العباسیین وغیرهم ومساعیهم لتضلیل الناس وصرفهم عن أهل البیت (علیهم السلام).
وفی ختام خطبته الأولى ألمح سماحتُهُ إلى ان الموالین لأهل البیت علیهم السلام قد اُشربوا حب أهل بیت النبوه (صلوات الله علیهم أجمعین)، والإندفاع فی مودتهم وطاعتهم والتضحیه من أجل ترسیخ وجودهم ونشر مبادئهم، لافتاً إلى أن مما نظهر به مودتنا لأهل البیت علیهم السلام إقامه مجالس ذکرهم، وإحیاء شعائرهم ومن أهمها زیاره أمیر المؤمنین (علیه السلام) یوم الغدیر الأغر ففی ذلک نصرهً لحق أمیر المؤمنین علیه السلام وخیبهً لأعدائه وتثبیتاً على الصراط المستقیم
وفی الخطبه الثانیه تعرض سماحتُهُ لقبس من الآیه المبارکه ۷۹ من سوره النساء{ ما أصابک من حسنه فمن الله و ما أصابک من سیئه فمن نفسک} ، مبیناً أنّ الآیه الکریمه بصدد تصحیح جمله من الاعتقادات والتصورات المشوّهه لدى بعض الناس، وقد کان محل الحدیث ما نجده على أرض الواقع وهو أنه إذا أصیب أحد بمصیبه کمرض أوحادث سیر أو فقدان عزیز أو خساره مال، فإنه ینسب الفعل إلى الله تعالى و ربما یعترض على القدر الذی تعرض له، لافتاً إلى فساد هذا الإعتقاد لما فیه من سوء الظنّ بالله تعالى ، کما أنّه ربما یؤدی إلى أنّه لا یحب الله تعالى؛ لأنّه لم یختر له ما یحب، فلابد من تصحیح هذا الإعتقاد؛ لأن الله تعالى لا یصدر منه إلا الخیر المحض و هو شفیق بعباده و رحیم بهم، فعلینا أنّ نعمل لتحبیب الله تعالى إلى الناس لنحظى بالمنزله العظیمه عند الله کما نصت الروایات الشریفه
وألمح سماحتُهُ – من خلال الآیه الکریمه – أن ما یصیب الإنسان من خیر فهو من الله تبارک وتعالى؛ لانّه تعالى هو الذی یهدیه للإیمان ویوفر له ظروف الإمتثال ثم یتقبل منه ویثیبه بأحسن الجزاء، أما السیئه التی تصیب الإنسان فهی من فعله وتسبیبه، فهو الذی أتبع شهواته ونزواته وهوى نفسه فوقع فی المحذور، وهو الذی لم یتصرف بحکمه ولم یعمل بمنطق العقل فأضرته حماقته وهکذا، فلماذا بعد ذلک یأتی هذا الإنسان وینسب کل ذلک إلى الله تعالى؟
وأضاف سماحتُهُ انّ الآیه الکریمه وإن کان لسانها توجیه الخطاب إلى النبی الأکرم (صلى ألله علیه واله) إلا إنها فی الحقیقه موجهه إلى الناس من خلال النبی الأکرم (صلى ألله علیه واله) على طریقه (إیاک أعنی واسمعی یا جاره)، موضحاً أنّ المراد بقوله تعالى {من نفسک} قد یکون کل ما سوى الله تعالى الشامل له ولغیره؛ إذ لا شک أن بعض ما یصیب الإنسان هو بسب حماقه الآخرین و جهلهم أو عمدهم و عدوانهم، قال تعالى {و ما أصابکم من مصیبه فبما کسبت أیدیکم و یعفو عن کثیر} [الشورى:۳۰] وفی سیاق الآیه الکریمه وآیات اُخر نسبت الحسنه والسیئه إلى الله تعالى،
أکد سماحتُهُ عدم وجود تنافٍ کما فی الآیه ۷۸ من سوره النساء؛ إذ انّ هذه الآیه الکریمه نزلت للرد على عقیده فاسده حیث کانوا ینسبون الخیر إلى الله تعالى إذا کثرت الأمطار و أینعت الأرض و ساد الأمن، وإذا حصل شرٌّ ما ، نسبوه إلى رسول الله( صلى الله علیه وعلى آله ) محاولهً منهم للتفریق بین الله تعالى ورسوله الکریم ( صلى ألله علیه واله ) ، والطعن فی القیاده الربانیه؛ لإیجاد المبرر لعصیانها وعدم تحمل معاناه الطاعه، فجاءت هذه الآیه المبارکه لتحبط هذه المحاوله الخبیثه، ونسبت السیئه إلى الله تعالى لأنها ما دفعت إلا بإذنه وضمن القوانین التی اُجری الخلق علیها، ولو شاء الله تعالى لدفعها کما عطّل صفه الإحراق لنار إبراهیم( علیه السلام )، فالفعل ُینسب إلى الله تعالى زمن هذه الجهه لکنه لا ینفی المسؤولیه عن فاعله، کمن رمى نفسه من شاهق فإنه مسؤول عن إتلاف نفسه، وقد نصت جمله من الآیات المبارکه والروایات الشریفه على ذلک.
وفی ختام خطبته الثانیه ذکر سماحتُهُ إنّ الإنسان هو السبب المباشر لحصول السیئه منه، لکن على الرغم من ذلک فإن الله تعالى لم یوکله إلى نفسه رحمهً به وشفقه علیه، فتولى رعایته والإحسان إلیه من خلال عده أمور:
منها: إنه تعالى یدفع عنه ویمنع وقوعه وإن أتى الإنسان بأسبابه.
ومنها: إن الله تعالى یعفو عن کثیر من سیئات الإنسان ویلغی تأثیراتها السلبیه وما یصیبه فهو من القلیل المتبقی.
ومنها: إن الله تعالى یثیب العبد على ما یصیبه وإن کان بسببه ویجعل البلاء کفارهً للذنوب، وبذلک یحوِّل الله تعالى البلاء والمصیبه التی جرّها العبد على نفسه إلى نعمهٍ لصالحه، حتى أن الروایات دلّت على أن المؤمن لما یرى ما أعدَّ الله تعالى له من الثواب العظیم یتمنى أنه لم یرفع عنه بلاء.
ومنها: إنه سبحانه یجعل البلاء سبباً لتکامل الفرد وقربه من الله تعالى.
وقد استشهد سماحتُهُ على کل أمر منها بجمله من الآیات المبارکه والروایات الشریفه.