المرجع الیعقوبی: لماذا یکره أکثر الناس الحق؟ أمیر المؤمنین (ع) مثالاً
بسمه تعالى
الاثنین
غره شهر شوال المکرم ١۴۴۶
الموافق ٢٠٢۵/٣/٣١
أقام سماحه المرجع الدینی الشیخ محمد الیعقوبی (دام ظله) صلاه عید الفطر المبارک بمکتبهِ فی النجف الاشرف وألقى سماحتُهُ خطبتی صلاه العید فی جمع من المؤمنین وکانت قبس من نور الآیه ٧٠ من سوره المؤمنون والآیه ٧٨ من سوره الزخرف، قال تعالى: {أَمْ یَقُولُونَ بِهِ جِنَّهٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَکْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ کَارِهُونَ} (المؤمنون:۷۰) وقال تعالى {لَقَدْ جِئْنَاکُمْ بِالْحَقِّ وَلَکِنَّ أَکْثَرَکُمْ لِلْحَقِّ کَارِهُونَ} (الزخرف:۷۸).
وأشار سماحتُهُ بعد بیان المعنى اللغوی للآیتین الکریمتین إلى أن المتحصل من مجموع کلمات أهل اللغه أن معنى الحق فیه رکنان:الثبوت والاستحکام مع کونه مطابقاً للواقع وموافقاً للغرض الصحیح؛ ولذا کان نقیضاً للباطل تاره بلحاظ فقدان الرکن الأول فیه فإن الباطل لا استحکام فیه ولا ثبوت قال تعالى {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} (الإسراء:۸۱) {لِیُحِقَّ الْحَقَّ وَیُبْطِلَ الْبَاطِلَ} (الأنفال:۸)، ونقیضاً للضلال تاره أخرى بلحاظ فقدان الرکن الثانی، قال تعالى {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} (یونس:۳۲) ، لافتاً إلى أن (الحق) من الأسماء الحسنى لأن وجود الله تعالى و توحیده و صفاته الحسنى هو الحق المطلق وکما علیه الأکثر فی تفسیر الآیه التالیه، قال تعالى {یَوْمَئِذٍ یُوَفِّیهِمُ اللَّهُ دِینَهُمُ الْحَقَّ وَیَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِینُ} (النور:۲۵) فهو سبحانه الحق وما نزله حق وما حکم به حق وما قضى به حق وما وعد به حق، ومن بعثهم حق وما دعا إلیه حق، وما سوى ذلک باطل وضلال وزُخرُف وغرر، فلا یتوقع من عاقل أن یترک الحق ویسیر خلف الباطل مع ما فیه من الضلال والابتعاد عن الواقع والصواب.
لکن النتائج کانت على العکس کما تنبئ الآیتان الکریمتان فإن أکثر الناس عزفوا عن الحق وکرهوه وقاوموه واستجرأوا الباطل ونصروه وهی نتیجه غریبه لکنها حقیقه واقعه کرّرها القرآن الکریم بحسرهٍ وأسف، وقد أکدّها فی عشرات الآیات الکریمه بألفاظ متعدده مثل قوله تعالى:(ولکن أکثر الناس لا یؤمنون، لا یشکرون، لا یعلمون) أو مثل قوله تعالى {فَأَبَى أَکْثَرُ النَّاسِ إِلَّا کُفُورًا} (الإسراء :۸۹)
وأکد سماحتُهُ على أن الروایات الشریفه قد دلت على ان المصداق الأکمل والأوضح للحق الذی لا ریب فیه هو رسول الله وأمیر المؤمنین (صلوات الله علیهما)، وروى هذا المعنى علی بن إبراهیم فی تفسیره قال (الحق رسول الله (ص) وأمیر المؤمنین (ع)، والدلیل على ذلک قوله {قَدْ جَاءَکُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّکُمْ} (النساء:۱۷۰) یعنی بولایه أمیر المؤمنین (ع)) ویشهد له ما ورد من الروایات فی تفسیر قوله تعالى {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ کَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِکَ فَأَمْطِرْ عَلَیْنَا حِجَارَهً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِیمٍ} (الأنفال :۳۲) حیث نزلت فی النعمان بن الحارث الفهری الذی أنکر بیعه النبی (صلى الله علیه وآله) لأمیر المؤمنین (ع) یوم الغدیر بالإمامه والخلافه من بعده.
مشیراً إلى هذا الکره قد أستمر لکل ما هو حق ودفع شیعه أمیر المؤمنین (علیه السلام) وأتباعه ثمناً باهظاً من أرواحهم وأموالهم وسائر حقوقهم لأنهم على الحق.
وأوضح سماحتُهُ ان الآیه ٧١ من سوره المؤمنون ذکرت أحد أسباب کرههم للحق وهو أنه یخالف أهوائهم فهم یریدون دیناً ونظاماً للحیاه یلبی شهواتهم ویحفظ مصالحهم ویعزّز نفوذهم وامتیازاتهم، لکن هذا غیر ممکن لأنه یؤدی إلى ضلال وفساد کبیر ولا یمکن أن یأمر به إله الحق، قال تعالى {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِیهِنَّ بَلْ أَتَیْنَاهُمْ بِذِکْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِکْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} (المؤمنون :۷۱) ، لافتاً إلى وجود أسباب أخرى لکره البعض لأهل الحق ولعل من أهمها الحسد وقد أشارت بعض الآیات المبارکه لذلک.
و لفت سماحتُهُ إلى ان هذه الظاهره المؤلمه فی حیاه البشر تتکرر أیضاً بدرجات متفاوته مع کل الأنبیاء والرسل والأئمه (صلوات الله علیهم أجمعین) ومع العلماء الربانیین العاملین المخلصین ولنفس الأسباب المتقدّمه، ممّا یوجب الحسره الألم والاستنکار والاستغراب قال تعالى (یَا حَسْرَهً عَلَى الْعِبَادِ مَا یَأْتِیهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ کَانُوا بِهِ یَسْتَهْزِئُون) (یس/۳۰) ، مشیراً إلى أن الآیه الکریمه أبقت باب الأمل بتحقق الهدایه والصلاح مفتوحاً حیث وصفت المعرضین عن الحق بالأکثریه، وهذا یعنی وجود قله تحب الحق وتعتنقه وتثبت علیه، لأنهم حافظوا على سلامه فطرتهم ؛لذا على العاملین الرسالیین أن لا یستوحشوا طریق الحق لقله سالکیه وأن لا یشعرهم کثره أعدائهم بالإحباط والیأس فهذا دلیل نجاحهم وتأثیرهم فی الناس، ولو کانوا فاشلین ولا یمتلکون القدره على الإصلاح والتغییر لما عاداهم أحد ولا حسدهم أحد.
وفی ختام خطبتیه ألمح سماحتُهُ إلى تحذیر أهل البیت (ع) من التجاوز على أهل الحق، بل أن مجرد عدم نصره الحق وخذلانه هو نصره للباطل، مستشهداً بقول أمیر المؤمنین (ع) فی الذین توقفوا عن بیعته (وقیل إن الحارث بن حوط اتاه علیه السلام، فقال له:أترانی أظن أن أصحاب الجمل کانوا على ضلاله؟ فقال علیه السلام:یا حار، إنک نظرت تحتک، ولم تنظر فوقک فحرت، إنک لم تعرف الحق فتعرف أهله، ولم تعرف الباطل فتعرف من أتاه. فقال الحارث:فإنی اعتزل مع سعد بن مالک وعبد الله بن عمر. فقال علیه السلام:إن سعدا وعبد الله بن عمر لم ینصرا الحق، ولم یخذلا الباطل).