المرجع الیعقوبی: أخلصوا نیّاتکم فی العمل لما عند الله تعالى.. واستحضروا هذا المعنى دائما فی قلوبکم
بسمه تعالى
الجمعه غره شهر ذو القعده الحرام ۱۴۴۵
۱۰/۵/۲۰۲۴
أکدّ سماحه المرجع الدینی الشیخ محمد الیعقوبی (دام ظله) على ضروره أن یلتفت الإنسان إلى دوافعه فی أی عملٍ أو سلوکٍ یقوم به، وأن یعمل لما هو باقٍ، لا ینفد، مشدداً على أهمیه استحضار هذه الحقیقه دائماً، إذ لا بد أن یرتبط کل شیء بالله تبارک وتعالى ولا یکفی الإیمان النظری به مالم ینعکس على الواقع المیدانی وسلوک الفرد وتصرفاته.. ولربما تعمی الإنسان حجب الغفله فتراه یعمل لجاهه أو لعنوانه الخاص أو لبناء مجده الخاص تحصیلاً للمکاسب الدنیویه أو ربما ریاءً أو عُجباً أو مجاملهً أو تملّقاً ونحو ذلک، رغم أنه یؤمن أن کل ذلک سیزول ولا یبقى إلا ما کان خالصاً لله تبارک وتعالى، فیکون حینئذٍ من مصادیق الآیه الکریمه {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُکُمْ بِالْأَخْسَرِینَ أَعْمَالًا*الَّذِینَ ضَلَّ سَعْیُهُمْ فِی الْحَیَاهِ الدُّنْیَا وَهُمْ یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ یُحْسِنُونَ صُنْعًا} (النحل-۹۶)
جاء ذلک فی کلمه ألقاها سماحتُهُ فی حشدٍ من مرشدی قوافل حجاج بیت الله الحرام قبل توجههم للدیار المقدسه لأداء فریضه الحج، بمکتبه فی النجف الأشرف فی ضوء الآیه الکریمه {مَا عِنْدَکُمْ یَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ}.
وأشار سماحتُهُ إلى أن تمظهر خلوص النیه على سلوک الفرد له علامات منها، على سبیل المثال همته فی مواطن الطاعه، ومبادرته لفعل الخیر، وخدمه الناس قبل الطلب منه، وقیامه بمسؤولیه مهام لم یکلّف بها.. فتراه حریصاً على إنجاز العمل، وتقدیم الخدمه حتى خارج أوقات عمله أو أوقات الدوام الرسمی، على العکس من ذلک الذی یعمل لأجل الأجر المادی ولإسقاط الفرض فقط، وبمقدار تسجیل الحضور وشطب یوم العمل فحسب، کما هو معروف، ومن علامات خلوص النیه أیضاً هو تجرد الفرد عن عناوینه الخاص، وإهتمامه بوقوع العمل الصالح وإنجازه سواء عنده، أذُکر إسمه فی العمل أم لم یذکر، أو ُنسب له إنجاز العمل أم لم یُنسب.. کالذی بنى مسجداً ثم کتب علیه (شیده فلان الفلانی) فإذا کنت تعمل لله تعالى فالله یعلم بأنک شیدت هذا المسجد هو عدم ذکر الاسم علیه، ویکفی أن یکون بعلم الله تعالى وحسن توفیقه.. فإذا کنت تعمل للناس فخذ أجرک من الناس.
وأوضح سماحتُهُ أهمیه أن یُعرِّض الإنسان نفسه إلى هذه الامتحانات لیختبر إخلاصه، مثلاً نحن کطلبه فی الحوزه العلمیه نختبر أنفسنا ونکشف الدوافع الحقیقیه فی عملنا، هل کان تحصیلنا واشتغالنا لکی نصبح عنواناً معین أو لکی تسبق بعض الألقاب المعینه أسمائنا؟ فإذا کان کذلک فلنأخذ أجرنا من هذه العناوین التی عملت لها أذن، أو عندما ترى الآخر یقدم عملاً مشکوراً أو خدمهٍ للحوزه الشریفه ویتفوق ویتقدم فی هذا المجال، فهل تفرح لهذا الإنجاز وإن تحقق باسم غیرک؟ أو أن العکس هو الواقع، فتراک ُتبتلى بحسدهِ وتسقیطه والکید له، أو عندما یخاطبک أحدٌ دون ذکر الألقاب أو کلمات التمجید، والتبجیل کسماحتکم أو جنابکم فهل تجد فی نفسک حزازه؟ أو عندما لا یقدمونک فی المجلس ولا ُیجلسونک فی صدره، هل تتأثر وتمتعض؟ وهکذا من قبیل هذه الاختبارات، وهی موجوده فی کل الأعمال التی تعکس وجود مشکله، أو مرض فی النفس أو التفکیر، ینبغی حینئذٍ معالجتها، وهذا الفعل کاشف عن مشکلهٍ فی تفکیرک، وعلیک أن تراجع نفسک لتعالجها.
وفی سیاقٍ متصل أشار سماحتُهُ إلى أن موضوع (النیّه) من الأهمیه بمکان بحیث جُعل أول باب من أبواب کتاب (وسائل الشیعه للحر العاملی) وما یتعلق بها من الروایات فی إخلاص النیه ومعوقات خلوصها، وفی هذا درس لنا جمیعاً لافتاً المرشدین إلى أهمیه أن تتضمن محاضراتهم الأخلاقیه للحجاج هذه المعانی فی أن یخلصوا نیاتهم خصوصاً فی موسم الحج.
واستشهد سماحتُهُ بروایتین فقد روى الصدوق فی (ثواب الأعمال) بسنده عن الامام الصادق (علیه السلام) قال: ” الحج حجان، حج لله، وحج للناس، فمن حج لله، کان ثوابه على الله الجنه، ومن حج للناس، کان ثوابه على الناس یوم القیامه “، وعنه ایضا فی نفس الکتاب عن الامام الصادق قال: ” من حج یرید الله عز وجل، لا یرید به ریاء ولا سمعه، غفر الله له البته “.
وفی تعلیقه على مضمون الروایتین الشریفتین، نبّه سماحتُهُ إلى کثره ابتلاء الناس والحجاج بهذه الأمور المغفول عنها، حیث تسری هذه المشاکل حتى فی مسأله الجهاد حیث حذّر رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) من مغبتها، فالبعض یقاتل أو یجاهد لکی یحصل على الغنائم المادیه أو لیغنم النساء أو أی شیء آخر أو لیُقال له بطلُ أو أنه أبلى بلاءً حسناً، إذن فلیأخذ أجره من هذه العناوین، ولکن من قاتل لتکون کلمه الله تعالى هی العلیا فیُقتل فقد وقع أجره على الله ویکون شهیداً.
وفی ذات السیاق تطرق سماحتُهُ إلى خصله من خصال السید الشهید الصدر الثانی (قدس سره) ونحن على أعتاب ذکرى استشهاده، وهو رفضه لتقبیل یده وکان (قدس سره) یُجیب من یقول إنه یرید التبرک والتقرب إلى الله بهذا العمل..(حبیبی أنت تدخل الجنه وانا أدخل النار) بینما ترى بعض إذا لم تقبّل یده فأنه یعتبر ذلک توهیناً لمقامه.
وفی نهایه کلمته دعا سماحتُهُ للمرشدین بأن یجری الله تعالى الخیر على أیدیهم للناس جمیعاً، وأن یسددهم بالقول والعمل وأن یجعل نوایا الجمیع خالصه لوجهه الکریم خاصه وهم یقومون بهذه الوظیفه المبارکه العظیمه ویبذلون الجهود الاستثنائیه التی تتعدى حدود مسؤولیاتهم فی أداء مناسک الحج لخدمه الحجاج، وهو مؤشر واضح للإخلاص فی العمل.