الانس بولایه أهل البیت (ع) من أعظم نعم الجنه ومسؤولیتنا تجاهها
بسمه تعالى
الانس بولایه أهل البیت (ع) من أعظم نعم الجنه ومسؤولیتنا تجاهها[۱]
بیان الزیاره الاربعینیه ۱۴۴۷
من مظاهر رحمه الله تعالى وتجلیات لطفه بعباده لجذبهم إلى الهدایه والطاعه هو تعجیل بعض نعم الجنه لعباده المؤمنین فی دار الدنیا؛ لیتذوقوها ویتلذذوا وینتشوا بها فیتشوقون إلى الجنه ویندفعون إلى الأعمال الموجبه لها [وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَهَ وَسَعَى لَهَا سَعْیَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِکَ کَانَ سَعْیُهُم مَّشْکُوراً] (الإسراء: ۱۹).
ومن تلک النعم معرفه الله تعالى ومحبته والأنس بلقائه والنظر إلى وجهه الکریم، وهی أعظم نعم الجنان قال تعالى: [وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَکْبَرُ ذَلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ] (التوبه: ۷۲). ومن دعاء الامام الحسین (ع)التام فی معرفه الله تعالى ومحبّته : (ماذا وَجَدَ مَن فَقَدَکَ ومَا الَّذی فَقَدَ مَن وَجَدَکَ)[۲] والکلام مطلق شامل لنعیم الجنان.
لذا کان العارفون بالله تعالى یتلذذون بعبادته ومناجاته تعالى (فَهُمْ وَالْـجَنَّهُ کَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِیهَا مُنَعَّمُونَ)[۳] فعباده الله تعالى عندهم لیست تکالیف تؤدى طلباً للثواب أو خوفاً من العقاب، وإنما هی نِعم اهدیت الیهم من الجنه لیتنعموا بها، روى فی الکافی عن أبی عبد الله الصادق (ع) قال: (قال الله تبارک وتعالى: یا عبادی الصدیقین تنعموا بعبادتی فی الدنیا فإنکم تتنعمون بها فی الآخره)([۴])
یقول الإمام السجاد (ع) فی مناجاه العارفین: (وَقَرَّتْ بِالنَّظَرِ إلى مَحْبُوبِهِمْ أَعْیُنُهُمْ،) إلى أن یقول: (إلهِی ما أَلَذَّ خَواطِرَ الإِلْهامِ بِذِکْرِکَ عَلَى الْقُلُوبِ، وَما أَحْلَى الْمَسِیرَ إلَیْکَ بِالأَوْهامِ فِی مَسالِکِ الْغُیُوبِ، وَما أَطْیَبَ طَعْمَ حُبِّکَ، وَما أَعْذَبَ شِرْبَ قُرْبِکَ…)([۵]).
ومن تلک النعم([۶]) ولایه أهل البیت (ع) ومودّتهم([۷]) والأنس بذکرهم وزیاره مشاهدهم وتعظیم شعائرهم، فإنها من نعم الجنه العظمى التی اتحف الله تعالى بها الموالین لأهل البیت (ع)، وکلما ازدادت نشوتهم بهذا الولاء والمودّه الصادقه ازداد تعلقهم بحب اهل البیت (ع)، مع ما یرون منهم (ع) من نجده لهم فی وقت الشده وإغاثه فی حال الکرب.
وقد دلت الروایات على ان نعمه القرب من أهل البیت (ع)لا تضاهیها نعمه من نعم الجنه بعد معرفه الله تبارک وتعالى، وأن الأنس بهم (ع) یشغل أهل الجنه عن النظر إلى نعمها الأخرى، روى زراره عن الإمام الباقر (ع) أو الصادق (ع) أنه قال: (یا زراره إذا کان یوم القیامه جلس الحسین (ع) فی ظل العرش وجمع الله زواره وشیعته لیبصروا من الکرامه والنصره والبهجه والسرور إلى أمر لا یُعلم صفته إلا الله فیأتیهم رسل أزواجهم من الحور العین من الجنه فیقولون إنا رُسل أزواجکم إلیکم یقلن: إنا قد اشتقناکم وأبطأتم عنا فیحملهم ما هم فیه من السرور والکرامه على أن یقولوا لرسلهن: سوف نجیئکم إن شاء الله)([۸]).
ورُویت بشکل آخر أکثر تفصیلاً فی کامل الزیارات عن زراره وفیها (وما من عبد یُحشَرُ إلاّ وعیناه باکیهً إلاّ الباکین على جدِّیَ الحسین (ع)، فإنّه یحشر وعینه قَریره، والبشاره تلقاه والسّرور (بیّن) على وجهه، والخلق فی الفزع وهم آمنون، والخلق یعرضون وهم (حدّاث)([۹]) الحسین (ع) تحت العرش وفی ظلِّ العرش، لا یخافون سوءَ یوم الحساب، یقال لهم: ادخلوا الجنّه، فیأبون ویختارون مجلسه وحدیثه، وأنَّ الحور لترسل إلیهم أنّا قد اشتقناکم مع الولدان المخلّدین فما یرفعون رؤوسهم إلیهم لما یرون فی مجلسهم مِنَ السُّرور والکَرامَه، وإنَّ أعداءَ هم مِن بین مَسْحوب بناصیته إلى النّار، ومِن قائل: [ما لَنا مِن شافِعینَ، وَلا صَدِیقٍ حَمیم]، وإنّهم لیرون منزلهم، وما یقدرون أن یدنوا إلیهم ولا یصلون إلیهم، وإنَّ الملائکه لتأتیهم بالرِّساله مِن أزواجهم ومِن خُزّانهم على ما أُعطوا مِن الکَرامه فیقولون: نأتیکم إن شاء الله، فیرجعون إلى أزواجهم بمقالاتهم، فیزدادون إلیهم شوقاً إذا هم خبّروهم بما هم فیه مِنَ الکَرامه وقُربهم مِن الحسین (ع)، فیقولون: الحمد لله الَّذی کفانا الفَزَع الأکبرَ، وأهوال القیامه، ونجّانا ممّا کنّا نخاف، ویؤتون بالمراکب والرِّحال على النَّجائب، فیستوون علیها، وهم فی الثَّناء على الله والحمد لله والصَّلاه على محمَّدٍ وآله، حتّى یَنْتَهوا إلى منازلهم)([۱۰]).
أیها الأحبه:
لذا قلنا إن السیر إلى الإمام الحسین (ع) وزیارته طریق إلى الجنه بل هی الجنه، ولذا یلتذ عشاق أبی عبد الله (ع) بها رغم ما یصیبهم من العناء([۱۱]) والمشقه الکبیرین مما یعجز عن تحمل یسیر منه فی غیر هذه الطاعه المبارکه، ویعیشون الحرقه والأسى عندما تنتهی مده الخدمه ویقوِّضون خیامها.
إن هذه النعمه العظیمه توجب علینا مسؤولیات کما اوجبت لنا تشریفاً وکرامه منها:
۱- التمسّک بالإسلام المحمدی النقی الأصیل الذی نستقیه من معینه الصافی: القرآن الکریم وأحادیث النبی (ص) وعترته الأطهار (صلوات الله علیهم أجمعین) فی جمیع أمورنا الفردیه والاجتماعیه والقوانین التی تنظم حیاتنا، فإن الإسلام أثمن جوهره وهبها الله تعالى لعباده فلا بد من المحافظه علیها بأی ثمن کما ضحّى الإمام الحسین (ع) بأعزّ أهلٍ وأصحاب من أجل بقاء الإسلام نقیاً من التحریف.
وعلینا ان ننفی عنه الضلالات والشبهات التی یواصل أعداء الإسلام دسها لتشویه صوره الإسلام وإبعاد الناس عنه ویساعدهم على ذلک أفعال الجهله من مدَّعیه.
۲ – بذل الوسع فی دعوه الناس إلى الله تبارک وتعالى ونشر تعالیم أهل البیت (ع) حتى یهتدی کل الناس إلى نور التوحید وولایه أهل البیت (ع)، ویکون ذلک بعد التفقه فی علوم الدین ومعارفه وأخلاقه امتثالاً لقول الله عز وجل {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَهٍ مِنْهُمْ طَائِفَهٌ لِیَتَفَقَّهُوا فِی الدِّینِ وَلِیُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَیْهِمْ لَعَلَّهُمْ یَحْذَرُونَ} (التوبه: ۱۲۲) وقول الإمام الرضا (ع): (رحم الله عبدا أحیا أمرنا. فقلت له: فکیف یحیی أمرکم قال: یتعلم علومنا ویعلمها الناس فإن الناس لو علموا محاسن کلامنا لاتبعونا)([۱۲]).
۳- إدامه هذه الشعائر المبارکه وإظهارها بأبهى صورها وتوسیعها لتصل إلى العالم کله ومنع محاولات تشویهها وإفراغها من محتواها وأهدافها وتحویلها إلى طقوس ومهرجانات شعبیه لا علاقه لها بأهداف القیام الحسینی التی صَرّحَ بها فی کلماته (ع) حتى تسمع جمیع البشریه نداء الحق فتهفوا إلیه.
۴- المحافظه على وحدتکم والألفه والموده بینکم التی تجلت فی أنواع الخدمه الحسینیه التی لا نظیر لها ویعجز اللسان عن وصفها، ولم تتحقق هذه الموده التی وحّدت ملایین من المؤمنین ینتمون إلى مائه دوله تقریباً إلا بالألطاف الإلهیه وببرکه ولایه أهل البیت (علیهم السلام) [هُوَ الَّذِیَ أَیَّدَکَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِینَ، وَأَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِی الأَرْضِ جَمِیعاً مَّا أَلَّفَتْ بَیْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـکِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَیْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِیزٌ حَکِیمٌ] (الأنفال: ۶۲-۶۳).
فلا یجوز أن نعیش هذه النعمه فی أیام الزیاره فقط ثم نتخلى عنها ونعود إلى انقساماتنا ونزاعاتنا وعصبیاتنا وتحزّباتنا، فهذا تفریط بهذه النعمه وسوف نندم علیه، وحینئذٍ نکون ممن ینطبق علیهم قوله تعالى {کَالَّتِی نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّهٍ} [النحل : ۹۲]
۵- الالتفاف حول المرجعیات الدینیه المخلصه العامله الرشیده امتثالاً لأوامر الأئمه المعصومین (ع)، فإنها القائد إلى الخیر کله والکهف الحصین الذی تأوی إلیه الأمه، فلا بد من الدفاع عنها ورد الشبهات والأکاذیب التی تحاول فصل الأمه عنها.
۶- التحلی بالوعی والبصیره وقراءه الأحداث بعمق وتحلیل لا بسذاجه وسطحیه فإن الأعداء مستمرون فی الکید لنا وتغلیف حروبهم العسکریه والناعمه الأشد خطراً بعناوین خادعه، فعلینا فهم حقیقه الصراع، قال الله تبارک وتعالى: [وَلاَ یَزَالُونَ یُقَاتِلُونَکُمْ حَتَّىَ یَرُدُّوکُمْ عَن دِینِکُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا][۱۳] (البقره: ۲۱۷).
اللهم اجعلنا من الشاکرین لإلائک، المداومین على طاعتک، المستقرین فی محبتک، الثابتین على ولایه اولیائک، والمستشعرین لذه القرب منک، ولاتجعلنا الغافلین المبعدین.
([۵]) وهی إحدى المناجیات الخمس عشره التی نُقلت عن الإمام السجاد (ع)، نقلها المجلسی فی بحار الأنوار: ج ۹۱، ص ۱۵۰، وجدتها مرویه عنه علیه السلام فی بعض کتب الأصحاب رضوان الله علیهم، ونقلها الشیخ عباس القمی فی مفاتیح الجنان، وصارت تطبع مع الصحیفه السجادیه مؤخراً.
([۶]) ولا یفوتنی أن أذکر هنا أن من تلک النعم الزوجه الصالحه فقد اختارها الله تعالى لعبده المؤمن وفضّلها على الحور العین، ففی الحدیث عن أم سلمه زوج النبی أنها سألت النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) فقالت: (یا رسول الله، نساء الدنیا أفضل أم الحور العین؟ قال: بل نساء الدنیا أفضل من الحور العین کفضل الظهاره على البطانه، قال: یا رسول الله، ولم ذلک؟ قال: بصلاتهن وصیامهن وعبادتهن الله تعالى، ألبس الله وجوههن النور، وأجسادهن الحریر، بیض الألوان خضر الثیاب صفر الحلی، مجامرهن الدر، وأمشاطهن الذهب) رواه الطبرانی فی المعجم الأوسط. وفی مستدرک الوسائل عن النبی (صلى الله علیه وآله) أنه قال: (وما مِن امرأه تکسو زوجها إلا کساها الله یوم القیامه سبعین خِلعه من الجنه کل خلعه منها مثل شقائق النعمان والریحان، وتُعطى یوم القیامه أربعین جاریه تخدمها من الحور العین) (مستدرک الوسائل، للمیرزا النوری: ج ۱۴،ص ۲۴۵).
[۷] – فصلنا الکلام فی نعمه ولایه اهل البیت فی أکثر من قبس فی تفسیر (من نور القرآن) کقوله تعالى {وَأَمَّا بِنِعْمَهِ رَبِّکَ فَحَدِّثْ} [الضحى : ۱۱] وقوله تعالى {بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ کُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهیم : ۲۸] وقوله تعالى {وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَرَضِیتُ لَکُمُ الْإِسْلَامَ دِینًا} [المائده:۳]
([۸]) بحار الأنوار: ج ۷۵، ص ۱۰۱، ح۲۵ عن نوادر علی بن أسباط ضمن الأصول السته عشر: ص ۱۲۳.
([۹]) أی یتحدثون مع الإمام (ع).
[۱۰]- کامل الزیاره، لابن قولویه: ص ۸۴.
[۱۱] – تجاوزت درجه الحراره فی العراق أیام الزیاره خمسین درجه مئویه والموالون یسیرون تحت الشمس المحرقه مئات الکیلومترات.
[۱۲]- عیون أخبار الرضا، للشیخ الصدوق: ج ۱ / ص ۲۷۵، معانی الأخبار – الشیخ الصدوق – الصفحه ١٨٠
[۱۳] – راجع تفاصیل هذه الحرب وانوعها فی تفسیر (من نور القرآن) عند هذه الآیه.
