{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَیْتَ مَثَابَهً لِلنَّاسِ}

بسمه تعالى

{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَیْتَ مَثَابَهً لِلنَّاسِ} [البقره: ۱۲۵]

 الاربعاء ۲۹/ شوال/ ۱۴۴۵

الموافق ۸-۵-۲۰۲۴

أکدّ سماحه المرجع الدینی الشیخ محمد الیعقوبی (دام ظله) أن الله تعالى عَظّم حرمه بیته الحرام ورفع شأنه وجعل فیه الکثیر من البرکات والخصائص وجعله محلاً لطاعته للحصول على النفحات الخاصه وألطافه المتمیزه وموضعاً لاجتماع المسلمین على اختلاف ألوانهم وألسنتهم ومشاربهم من أجل عبادته وتوحیده والرجوع إلیه جل وعلا کما جعله قطباً لواحده من أعظم الفرائض فی الإسلام وهی فریضه الحج المبارکه وأصبح مرکزاً للنور والخیر والبرکات طیله أیام السنه.

وقال سماحتُهُ خلال درس التفسیر الأسبوعی الذی یلقیه على جمع من أساتذه وفضلاء وطلبه الحوزه العلمیه الشریفه فی النجف الأشرف وکان من نور الآیه الکریمه {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَیْتَ مَثَابَهً لِلنَّاسِ} [البقره: ۱۲۵].

إن (البیت) یقصد به المسجد الحرام فی الآیه الکریمه المشار إلیها {وَطَهِّرْ بَیْتِیَ لِلطَّائِفِینَ وَالْقَائِمِینَ وَالرُّکَّعِ السُّجُودِ} [الحج: ۲۶] من باب إطلاق الکل على الجزء أو أن الکعبه هی منشأ تعظیم المسجد الحرام.

کما أجاب سماحتُهُ عن سؤال مقدّر عن وجه نسبه الفعل إلى الله تعالى مع أن الرجوع من فعل العبد، وهو أن الله تبارک وتعالى أمر به وألزم بالحج إلیه کل عام، وقد دلّت بعض الروایات على حرمه خلو البیت من الناسکین، فقد روى المشایخ الثلاثه بأسانید صحیحه عن الإمام الباقر (علیه السلام) قوله: (لو ان الناس ترکوا الحج لکان على الوالی أن یجبرهم على ذلک وعلى المقام عنده، فإن لم یکن لهم أموال أنفق علیهم من بیت مال المسلمین) ووردت عده روایات فی استحباب نیه العود وکراهه عدم الرجوع.

وبین سماحتُهُ أن هذا الجواب على مستوى التشریع، ویمکن فهم المثابه بمعنى الرجوع على مستوى التکوین بأن الله تعالى ألقى فی قلوب المؤمنین ولهاً لزیاره بیته المعظم یکون دافعاً لهم لیقصدوه مره بعد أخرى مصداقاً لقوله تعالى {فَاجْعَلْ أَفْئِدَهً مِنَ النَّاسِ تَهْوِی إِلَیْهِمْ} [إبراهیم: ۳۷]  والآیه شامله لدیار النبوه والإمامه ومحل نسکهم {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِیمَ مُصَلًّى} [البقره: ۱۲۵]، وقد ورد هذا المعنى فی کلمات أمیر المؤمنین (علیه السلام) قال: (وفرض علیکم حج بیته الحرام، الذی جعله قبلهً للأنام، یردونه ورود الانعام، ویألهون إلیه ولوه الحمام).

وبعد أن بیّن سماحتُهُ معنى کلمه (مثابهً) لغهً وأستعرض جمله من المعانی والدلالات المذکوره فی المعاجم والمصنفات اللغویه.. لخّصَ سماحتُهُ هذه المعانی فی عده نقاط، معضداً إیاها بالروایات الشریفه الوارده بخصوص تلک المعانی، مستفیداً من دلالاتها فی التفسیر.. فکانت کالتالی:

۱.    الرجوع إلیه کلما صدروا عنه، وقد دلّت بعض الروایات على حرمه خلو البیت من الناسکین ویجب إلزام الناس بقصده، حیث روى الکلینی والصدوق فی الکافی والفقیه بالإسناد عن الإمام الباقر (علیه السلام) فی البیت الحرام قال (لو عطلوه سنه واحده لم یُناظروا)[۱] ویصل الإلزام إلى حد إجبار عدد یتحقق بهم النُسُک     

۲.   جعله محلاً لتحصیل الثواب والقرب من الله تعالى، ولا شک أن قصد البیت الحرام فی الحج والعمره من أعظم الطاعات، ففی صحیحه عمر بن یزید عن الإمام الصادق (علیه السلام) فی الحج قال: (ما یعدله شیء، والدرهم فی الحج أفضل من ألفی ألف فیما سواه فی سبیل الله)

۳.   أنه محل اجتماع الناس فی الحج والعمره بعد تفرقهم فی البلدان وتعدد طوائفهم وأیدیولوجیاتهم، ولا شک أن من أهم أغراض الحج هو توحید المسلمین وتلاقیهم وتحاورهم وتذویب خلافاتهم

۴.   على القول بأن المثابه بمعنى الأساس، فإن البیت الحرام هو أساس الدین وبه یحفظ التوحید، وهذا المعنى صحیح، ولذا أحیط البیت الحرام بقدسیه وتعظیم کبیر روى الکلینی فی الکافی والصدوق فی الفقیه بالإسناد عن الصادق (علیه السلام) قال: (لا یزال الدین قائماً ما قامت الکعبه)

۵.   إن المثابه من الإصلاح والتقویم وهذه إحدى وظائف البیت الحرام فإن المسلمین مهما ابتعدوا عن إسلامهم وغرّتهم الدنیا وشغلتهم فإن الحج یرجعهم إلى الله تعالى ویصلحهم ویقِّوم سلوکهم 

۶.   أنه محل للاستقرار والسکینه، وقد صرحت الآیه الکریمه بذلک {مَثَابَهً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقره: ۱۲۵]، فإلیه یلجأ الناس لیبددوا مخاوفهم ویعالجوا قلقهم وتحصیل مرادهم.

۷.   إنه محل امتلائهم عزه وکرامه واستقائهم من معین الله تعالى الصافی وإن المسلم لیمتلئ نشوهً وشموخاً بمنظر الحج ومناسکه خصوصاً مع حضور إمامهم وحجه الله على الخلق أجمعین

۸.   إنه الجهه التی یرجعون إلیها فی صلواتهم ویستقبلونها فی سائر عباداتهم وجوباً واستحباباً حتى فی حال احتضارهم ودفنهم فإن التوجه إلى الکعبه حاضر فی أحکامهم.

۹.           إنه موضع توبتهم ورجوعهم إلى الله تعالى وتخلّصهم من ذنوبهم وقد ورد فی تفسیر قوله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}[۲] (الذاریات: ۵۰) أنه الحج.


[۱] – وسائل الشیعه: ۱۱/۲۱ أبواب وجوب الحج وشرائطه باب ۴ ح۳.

[۲] –  راجع هذا القبس فی تفسیر (من نور القرآن: ۵ / ۱۴- ۲۱).

Add A Knowledge Base Question !

+ = Verify Human or Spambot ?

آخر الأخبار